دراسات روايات

قصص

شعر صاحبة الموقع

خاص 

فرنسية فن تشكيلي قصص شعر

مختارات 

Bookmark and Share
       

رواية الحلم لي لحليمة زين العابدين

قراءة  

الأستاذ: عبد الجليل الأزدي

الحكاية الشعرية والأطروحة الإيديولوجية
 

  1.الشعر
في منأى عن ارتباكات البداية والتباساتها، تصل الكاتبة والمناضلة الحقوقية حليمة زين العابدين إلى صياغة نص حكائي محبوك ومسبوك: الحلم لي. وقد صدر عام 2013 عن دار الأمان بالرباط، وقوامه تمفصل الحكاية الشعرية على الأطروحة الإيديولوجية. وهو ما يفيد إمكانية قراءته ومقاربته بأدوات نظرية تم تشييدها تحت عناوين: الحكاية الشعرية Le récit poétique ( جان إيف تادييه) والرواية الأطروحة Le roman à thèse (سوزان روبان سليمان).
تستهل الرواية وجودها بفاتحة متدثرة بفساتين الغواية وتسيل في لغة عاطفية رومانسية حالمة، نظير ما يحدث في بداية شريط سينمائي ميلودرامي هندي؛ ويتدفق سرد الحكاية مستعجلا الوصول إلى خاتمة تتحدث لغة البحث عن ثورة والرغبة في التحرر الجمعي من أدران عصور الانحطاط المعاصرة.
وبين المبتدى والمنتهى، بين الفاتحة والخاتمة، يتعرف القارئ على الشخصيات التي تشكل مجتمع الرواية: خديجة وعلاء والعم عامر ومجد وواردة وهيئة وسهولة وذ. حمدان وأصيل. وبعض هذه الشخصيات له وجود واقعي لا مجال فيه للحديث عن التخييل.
وبجانب هذه الشخص يا التي تنهض بأدوار محددة على صعيد الحكاية ومجراها، تعمر سطور الرواية شخصيات تضطلع بأدوار على صعيد خطاب الحكاية فقط: أي أنها منشورة لخلق الأثر الثقافي والفني وتحيا في الحين ذاته إلى المرجعيات الثقافية والفنية للشخصيات المكونة لمجتمع الرواية؛ ومن ذلك مثلا جميل عبد العاطي ونزار قباني ومحمود درويش ولية فيري وجاك بريل وإدلب بياف...
يتصارع حضور هذه الشخصيات الثقافية والفنية مع الحضور الكثيف للشعر في بنية الرواية. ولا تكتفي هذه الرواية بتركيز جسدها بنصوص نصوص شعرية وغنائية جميلة وقوية، بل إنها تتخذ نصوصا شعرية فواصل تضبط بها إيقاع السرد وتدفق متوالياته. ولا يقف الأمر عند هذه الحدود، وإنما يتجاوزه إلى إعلان واحد من مقاصد الكاتبة في الصفحة الخامسة: كتابة رواية شعرية أو تجتاز مواصفات الشعر؛ لذلك، تعمل الآلة الروائية منذ البداية إلى النهاية على تجنيد المكونات الأساسية لبنية الشعر: الاستعارة والتشبيه والكناية. ومحصلة كل ذلك تموضع النص في التخوم والحدود بين الرواية والقصيدة. وقد أجاد جان إيف في توصيف هذا الشكل من الكتابة بمصطلح: الحكاية الشعرية. وحين القبول بهذه التسمية ومستلزماتها النظرية والمنهجية والإجرائية، وجب حتما مراجعة ميثاق القراء اللافت فوق صفحة الغلاف الأولى مباشرة تحت العنوان الرئيس: رواية؛ فهذا العنوان تجنيسي يضع النص القادم ضمن جنس أدبي محدد؛ وهو فوق ذلك ذو طبيعة إيديولوجية توجيهية وفيها نمط من الإكراه والإرغام: هذا النص رواية ويجب أن يقرأ بصفته رواية لا بصفته شيئا آخر. فما رأيك ياحليمة لو أن المتشرد تحرر من سلطة الإدغام وذهب في اتجاه ذاك الجنس الأدبي الفريد والمتميز: الحكاية الشعرية؟
تتضاعف المقاصد الشعرية للنص عبر الأجناس الأدبية المتخللة intercalaires. فهذا النص لا يترك أي جنس أدبي أو فني بمعزل عنه ويسمح لجميع اللغات المجتمعية أن تروج وتدور في أرجائه: الحكاية والمقابلة والرسالة والقصيدة والأمثال والحكم والأغاني...وهذه الصيغة الفاتنة من دمقرطة التعبير وديمقراطية الفضاء الرمزي أتاحت حرية أكبر للشخصيات وحدت من تدخلات السارد العليم الكلي الحضور والقدرة والسطوة. ولهذا دلالته الراسخة في ارتباطه الوطيد بالأطروحة الإيديولوجية التي يصوغها النص ويدافع ويسعى إلى الإقناع بها.
تنبني هذه الأطروحة عبر بنية موضوعاتية Thématique مفاصلها الجوهرية: مشاكل التعليم والصحة والشغل والسكن وأسئلة المواطنة وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون المأمولة، والحق في المعلومة ضمن مجتمع المعرفة الراهن، الحراك المجتمعي والسياسي والقمع والاعتقال...وغيرها من التيمات التي تطفح فوق لغة السرد القائمة على تناغم وانسجام السردي والحواري والحجاجي والغنائي وعلى انجدال الواقعي والتخييلي. ولا يتوقف الحواري عند حدود امتصاص وتحويل نصوص سابقة الوجود كما هو معهود في شعريات السيد ميخائيل باختين وفي أطاريح البلغارية السيدة جوليا كريسطيفا، وإنما يهم أساسا الحوارات الدرامية الخالصة ذات النفس الطويل لدرجة تستغرق معها صفحات عديدة. وهو ما ليس غريبا إطلاقا من كاتبة لها خبرة متميزة في الكتابة المسرحية مثلما تشهد بذلك وعليه: مسرحية حكايات النساء التي أخرجتها نعيمة زيطان عام 2003.
2_ البحر
لا شيء يضاهي حضور الشعر في هذه الحكاية إلا حضور البحر وأسطرة La mystification الأمكنة: بلد الجبل، بلد المدينة، بلد قرية الصيادين.
البحر عالم عائم وفضاء شعري بامتياز، مثلما أن ضمير المتكلم شعري بامتياز، وهو الضمير الحاضر حضورا لافتا في عنوان النص (الحلم لي) كما أنه الضمير الذي يطلق شرارة السرد في فاتحة النص:" ما بك يا خديجة؟ ما بك حبيبتي صامتة على غير عادتك؟"(ص 6). بعد العنوان اللفظي، يظهر البحر في العنوان الإيقوني Iconique أي لوحة الغلاف: لوحة زيتية تشير إلى قارب صيد وانعكاسه فوق صفحة الماء الصقيلة؛ قارب يحيل إحالة مزدوجة: يحيل إلى العالم والى النص القادم Le texte à venir.
وعبر هذا الزورق، يعبر القارئ خلجان الحكاية نحو مرفأ صفحة الغلاف الرابعة؛ المرفأ هذا بحري بامتياز وفيه حضور كثيف وقوي لمعجم البحر متشافعا مع معجم البحيرة: المرأة؛ إذ بطل الرواية يحب البحر كما يحب المرأة، ولا يخلف الموعد مع البحر كما لا يخلفه مع المرأة.
للحلم في هذا النص ذاكرة بحرية؛ بل إن لعموم النص ذاكرة بحرية كثيفة وقوية. يحضر البحر هنا بكل كثافته ورمزيته ويحيل حكاية حليمة زين العابدين إلى شيء شبيه بالصدفة أو المحارة أو ما هو قريب منها؛ وداخل هذه الصدفة يرن صوت البحر كما هو معهود، ويحمل مع رنين أصداء وتراجيع تاريخ من الرحيل على الماء وتاريخ من السرود البحرية أو التي اتخذت من البحر خلفية لها ومسرحا لأحداثها، منذ أوديسة هوميروس وصولا إلى رواية الكاتب اليمني صالح سعيد باعامر: إنه البحر (2013) مرورا بمحكيات سندباد البحري في ألف ليلة وليلة، وما كتبه الاسكتلندي روبير لويس ستيفنسون تحت عنوان: جزيرة الكنوز (1833)؛ ورائعة الأمريكي هرمان ملفيل: موبي ديك (1851) التي ترجمها الفلسطيني إحسان عباس ترجمة رائعة (2014)؛ والرواية القصيرة التي صاغها السكير المتمرد أرنست هيمنجواي تحت عنوان الشيخ والبحر (1952) والتي عثرت على ترجمتها الجيدة بأنامل الدكتور علي القاسمي (2008)؛ ثم رواية الفرنسي فيكتور هيجو: عمال البحر (1866) ومجموعة الفرنسي غي ده موباسان: في البحر (1883)، والفرنسي كذلك جول فيرن: عشرون ألف موقع تحت البحار (1870)؛ ورواية المكسيكي غابرييل غارسيا ماركيز: حكاية بحار غريق (1970)- ترجمة محمد علي اليوسفي؛ والفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا في: السفينة (1970)؛ وفتحي غانم : البحر (1970)؛ وحنا مينه في رواياته: الياطر (1975)، حكاية بحار (1981)، الشراع والعاصفة (2006)؛ وعبد الرحمن منيف في أعماله: شرق المتوسط (1975) وحين تركنا الجسر (1976) ومدن الملح (1984)؛ ورواية الكويتية ليلى عثمان: وسيمة تخرج من البحر (1986)؛ ورواية الإنجليزية إريس ميردوخ: البحر، البحر (19978)؛ ورواية محمد زفزاف : الأفعى والبحر (1979)؛ والشراع الكبير (1981) للروائي العماني عبد الله بن محمد الطائي؛ ورواية الإيرلندي جون بانفيل: البحر (2005)؛ دون أن ننسى بطبيعة الحال رواية السوري حيدر حيدر: وليمة لأعشاب البحر- نشيد الموت (1982) التي نسمع في أرجائها كل ضجيج العالم العربي من أهوار العراق إلى عنابة الجزائر...وتبين هذه القائمة غير المنتهية أن العديد من الروايات اقترنت بالبحر وبعوالمه السحرية والممتدة والغامضة؛ وترتيبا على هذا الاقتران، يمكن اعتبار الرحيل فوق ماء البحر بنية البنيات، أي الحبكة، في الكثير من النصوص السردية؛ وليس البحر واحدا ومتماثلا في جميع هذه السرود، إذ لكل رواية بحرها ولكل روائي منظوره للبحر ورؤيته له. واعتبارا للتمايزات القائمة بين النصوص الروائية في صيغ تعاملها مع البحر، يوائم إنجاز مقاربات مونوغرافية تهتم بعمل واحد أو بأعمال كاتب واحد، وفي أقصى الحالات دراسة علائق الرواية بالبحر ضمن أدب وطني واحد. وذلك على نحو ما أنجزه الباحث سيمون لييس ضمن كتاب جدير بالاهتمام: البحر في الأدب الفرنسي من فرانسوا رابليه إلى بيير لوتي (2003).

عبد الجليل الأزدي / المغرب

 لائحة محور دراسات

 2. الحلم لي/ قراءات

عبد العاطي جميل
جغرافية العشق والوطن
 
جنة نجية
بوح فريد
عبد الله مهتدي
اليتم الحارق
محمد العناز
شعر جنون
عبد الجليل الأزدي
الحكاية الشعرية
 
 
الاتصال

 

Conception _ Création _ Desisgn: Halima Zine El Abidine