دراسات روايات

قصص

شعر صاحبة الموقع

خاص 

فرنسية فن تشكيلي قصص شعر

مختارات 

Bookmark and Share
       

رواية على الجدار لحليمة زين العابدين

قراءة  

الأستاذ: عبد العاطي جميل

رواية على الجدار

تقميشات على الجدار
 

 

بعد روايتي "هاجس العودة" 1999 و"قلاع الصمت" 2005 المائزتين، تتقدم الروائية المغربية حليمة زين العابدين في روايتها الجديدة "على الجدار" نحو العالم الافتراضي دون أن تحدث القطيعة مع العالم الواقعي الذي يسكن ذاكرتها ورهاناتها السردية الجمالية خاصة وكتاباتها المجتمعية المتنوعة عامة .. حيث كتاباتها تنبض بالحياة في أسمى معانيها الإنسانية ..إن الكتابة السردية في رواية " على الجدار" تتماهى مع ما ذهب إليه الناقد المغربي محمد برادة في كتابه " الرواية ورهان التجديد " حين أشار إلى أن الرواية العربية قد تجاوزت في منجزها تصوير الواقع إلى : " مستوى إعادة صوغ الأسئلة الحساسة المتصلة بموضوعات محرمة وتشخيص الصراعات مع الذات والمجتمع والسلطة عبر أشكال جمالية ولغة مستوحاة من حيوية المعيش وجرأته .. " ص 35  مايو 2011.
إن تنوع الفضاءات يكشف عن تعدد القضايا الذاتية لشخصية الطفلة نفيسة وهي تعانق سن البلوغ حيث المرض بالسحايا والإغماء في ظروف صعبة ، وموت الأم بالموازاة مع الزمن الراهن ، زمن الإيميلات والهواتف النقالة التي تحيح التواصل الأفضل ..تلك بعض المؤشرات الدالة التي تجعل شخصية نفيسة تعيد طرح السؤال الإشكالي والوجودي حول الخلق والخالق والحب من خلال استعادة الذاكرة قصد الجواب على سؤال الإلحاد وحرية العقيدة .. إن القضايا الاجتماعية المطروحة تتصادى والقضايا الوطنية والقومية حينما تنتقل الشخصية الرئيسة من المدينة المحاصرة إلى الشعور بالتحرر من سفح الجبل، وتتعالق كي تنسج خيطا سرديا رفيعا يمتد من زمن الطفولة في المدينة المحاصرة بالجبال للدلالة على انحباس أفق الشخصيات التي تعيش على هامش المدينة بعيدا عن تكافؤ الفرص ، وبعيدا عن تحقيق الذات الطامحة إلى الحرية والمعرفة والعشق حيث الإصابة بسهم " كيوبيد " المجنون الأعمى .. إن الاستعانة بالأسطورة كقناع تعبيري جمالي لم يقف عند حدود الشعراء التموزين  جبرا إبراهيم جبرا ، وأدونيس ، ويوسف الخال ، والبياتي ، ... في مجال الشعر، بل تعداه إلى التعبير الاستعاري الدال عند الروائية حليمة زين العابدين التي تعتمده كتقنية لغوية ورؤيوية تتغيا التغيير الاجتماعي وتطمح إليه. فهي لاتوظفه للتزيين والحذلقة  كما نلاحظ في بعض الأعمال السردية الواقعية الحبلى بالتوصيفات الإثنوغرافية المملة  بل حضور الأسطوري كنظام ثقافي توجيهي جمالي يحقق للقارئ متعة مزدوجة معرفية وفنية ، عبره تتحقق المثاقفة والانفتاح على البعد الإنساني الخلاق .. فالرواية قبل أن تكون نصا أدبيا ، فهي كما يذهب الناقد المغربي محمد الدغمومي إلى أنها " شكل من أشكال الثقافة . وهي بقدر ما تحصن نفسها ، كبنية ذات استقلال ، تبقى واحدة من عناصر كثيرة تشكل بنية الثقافة.. " ص 17  الرواية والتغيير الاجتماعي  إفريقيا الشرق 1991 
إن رواية "على الجدار " من العن كتاباتي الروائية الناذرة التي تنخرط في رصد التحولات السياسية والاجتماعية في الوطن من المحيط إلى الخليج، وهي في طور التشكل والتبنين. كما جنس الرواية ذاتها. فتعكس بذلك الدينامية السردية حيث تفاعل التأثير والتأثرفي زمن كرونولوجي يصل أحيانا إلى مستواه التسجيلي الناقل لما يقع في الواقع فعلا كما أحداث ثورة البوعزيزي، وهروب زين العابدين بن علي واستقالة حسني مبارك ... هذه المواكبة للراهن والآني ونقله أو إدماجه في بنية الحدث الروائي التخييلي يعكس الوعي النقدي للروائية حليمة زين العابدين الذي يتجلى في تجاوزها للشكل السردي التقليدي الذي يعتمد هيمنة السارد من خلال الرؤية السردية من الخلف حيث السارد الكامل المعرفة ، الذي يقوم بالوظائف المتعددة، يسرد ويصف ويتدخل شارحا ومعلقا ومنتقدا وموثقا و ... فعلى العكس من ذلك، فرواية "على الجدار" فسحت المجال الواسع للشخصيات المتعددة للتعبير عن عواطفها ومواقفها مما يحدث وآرائها الخاصة من زوايا متباينة . وهذا يحقق ما هو معروف بديمقراطية السرد الذي يعكس رؤيا مناوئة لكل ما هو مستبد . وقد انحصر دور الساردة في تنظيم سرد الشخصيات بإعطائها الكلمة والانتقال إلى الشخصية الموالية دون إطالة تجنبا للملل ورغبة في إثارة شوق القارئ للمزيد من المعرفة الشاملة.. هكذا تتمكن الساردة من شد حبل السرد وفي الوقت ذاته تنويع مصادر الحكي فيه: لغة، وفضاء، وحدثا... الذي يسم الرواية بسمة التجريب شكلا ومضمونا الشي الذي أضفى عليها مسحة مغايرة تؤسس للأفق التجريبي الروائي المغربي والعربي على حد سواء مادامت أحداث الرواية تنكتب بتقنيات تكسر أفق انتظار الساردة ذاتها وليس أفق انتظار القارئ فحسب .وحده الجدار خزان يحمل المسرود الجديد والمتنوع كلما انتقلت الساردة وفتحت جدارا تدفقت الأحداث والمواقف والعواطف والآراء مما يضفي على المسرود سمة الحجاجية فالخطاب الروائي في رواية "على الجدار" خطاب سجالي لا يقدم أحكاما جاهزة ونهائية بل يتيح للشخصيات التعبير عن عواطفها دون قيد فالطفل سعد قد عبر عن "حبه للملك" مثلا من خلال الزيارة التي قام بها إلى مؤسسته.. وسؤاله عن "حب الملك" لأمه كان مفاجئا.. فهي لم تفكر في الأمر من قبل.. وهذا يعكس اختلاف العواطف بين الشخصيات حول موضوع واحد. مما يكرس قيم الحرية وغياب وهم الإجماع المكرس اجتماعيا وسياسيا في الواقع المعيش ...
إن رواية على الجدار رواية خادعة تنتمي إلى شكل سهل ممتنع . فبقدر ما تبدو سباطتها يزداد عمقها . ويصعب القبض فيها على خيوط السرد. فالساردة في المحكي تظهر وتختفي تتقنع خلف أقوال شخصية أو أفعالها وأحيانا تطفو على السطح تقول مكنوناتها من خلال تداعياتها الاسترجاعية.. "على الجدار" تعري مساحات شاسعة من الآراء والمواقف لشخصيات متعلمة تعي مسرودها وتنتقيه وفق التيمات التي تنظمها الساردة الحاذقة التي تلعب دور المايسترو . فالجدار شاشة تنقل الأخبار التي تتحول مادة سردية تخييلية بواسطة الساردة التي تعيد طبخ المسرود كي يتناغم ورغبة المتلقي وأحيانا كي توهمه بواقعية الأحداث التي هي فعلا واقعية وغير واقعية لأنها تقع في شرك "المابين " حيث تصير الكتابة منفلتة و " فضاء هويات سندبادية ، فضاء البين  بين  الذي يخفي من ورائه أسماء متعددة حتى وإن لم يظهر منها إلا اسم بعينه كل كاتب يكتب بيدين  إحداهما تقبض ، والأخرى تنتزع  .. " ص . 8 الكتابة بيدين  عبد السلام بنعبد العالي
الجدار في الرواية مفرد بصيغة جمع. قثمة جدارات . وكل جدار جدارية أو لوحة تشكيلية باذخة الأشكال والألوان والفضاءات وأعني بذلك تعدد الأصوات. الشخصيات الواقعية والافتراضية والمركبة من هذا وذاك. والأحداث والأزمنة. التاريخية والنفسية والذهنية والنصية أيضا. وكل جدارية لها بنيتها التخييلية وكأن كل جدارية محكية مكتفية بذاتها أو بنيات سردية صغرى تتضافر بينها كي تشكل بنية كبرى هي الرواية ذاتها والتي تظل مفتوحة لأن الجداريات بعد الانتهاء من القراءة لاتنتهي بعد القراءة بل تتحول إلى أسئلة إشكالية حول ما يجري في مستنقع يمتد من المحيط إلى الخليج. ثمة واقع آخر يتشكل تشكله شخصيات غير حاضرة في الرواية لكن القارئ يتعرف عليها من خلال ما بين السطور وتلك لعبة سردية أخرى .فالبياضات السردية تمتد من بداية الرواية إلى نهايتها، والقارئ عبر رحلة القراءة الممتعة يملأ تلك البياضات حسب إمكاناته المعرفية الاجتماعية والسياسية وحسب مسافة قربه أو بعده من الساردة أو المؤلفة ذاتها، أو حسب وضعه داخل المنظومة التواصلية والإعلامية... فبعد الانتهاء من قراءة المتن الروائي يبدأ فعل القراءة شرحا وتعليقا ونقدا رفضا وقبولا فتظهر جداريات افتراضية أخرى يؤلفها القارئ هذه المرة . فرواية "على الجدار" تحول القارئ العادي من مستهلك للقراءة إلى فاعل في الكتابة.. فتتناسل العن كتاباتي الروائية الافتراضية بتعدد القراء.. مادامت مصائر الشخصيات في الرواية لم تعرف ولم تتحدد.. ومادام جلها يحيا خارج الرواية باسم مستعار.. وربما بعضعا سيحضر في حفل توقيع الرواية وربما بعض الشخصيات ستهنئ ليس الساردة  الكائن الورقي حسب تعبير رولان بارت  التي كانت تناور في حكيها بل سيهنئون الكاتبة التي من لحم ودم واسم حقيقي دال هو حليمة زين العابدين
هل الروائية حليمة زين العابدين هي كاتبة رواية "على الجدار "، بيد واحدة أم أن ثمة مؤلفين ضمنيين  (ساد، ذو يزن ، عبدو، نجاة ...) يشاركونها الكتابة دون سبق إصرار. وهم يعبرون بتلقائية، لم يكونوا يعلمون أنهم مشاركون، يؤسسون برامج سردية شائقة، ويساهمون في بنينة شكل سردي روائي جديد بجداراتهم وحيطانهم المشرعة على أصدقاء "حقيقيين وعلى قراء الرواية ،" الأصدقاء الافتراضيين". ولا شك أنهم سيكونون قراء مثلنا عندما يقرأون الرواية في صورتها النهائية، بلغة الكاتبة السلسة والمنسابة، الشعرية حينا، والتقريرية أحيانا، وفي إخراجها الأنيق من لدن " كلمات" للنشروالطباعة والتوزيع" تحت إشراف مبدعين في الرواية والشعر. كتوفيقي بلعيد، وإدريس بيوسف الركاب والمناضل محمد الرحوي ..
إن هوية المؤلف في رواية "على الجدار"، يظل مثار أسئلة نقدية مشروعة، مادام المسرود المقترح بين دفتي كتاب يحمل عنوان "على الجدار" هو اعتراف ضمني من الكاتبة أنها استقت مادتها الحكائية المطروحة في الشارع الفيسبوكي  من الجدارالمفرد بصيغة الجمع:" تسللت إلى علبة الرسائل الفيسبوكية." ردودك الوقحة، يا ساد، على أنصار النقاب والحجاب أعجبتني حد الضحك .." ص.9 .. " كفكفت دمعها وتحولت إلى صفحات صديقاتها وأصدقائها المشارقة، تقرأ على جدرانهم منشوراتهم عن تداعيات الربيع العربي .. " ص. 135. وكأننا أمام كتابة جديدة تقوم على تقنية الكولاج  كما في عملية الفن التشكيلي  التي تتأسس على إعادة تشكيل المادة وصياغتها من جديد . فتصبح بذلك هذه الكتابة السردية الروائية الجديدة عبارة عن ترميق  بريكولاج  يتعدد المؤلفون الافتراضيون لبعض المادة الحكائية للرواية .. رغم أن الروائية تضع اسمها على غلاف الرواية ، فثمة كتاب آخرون مساهمون ، تنوب عنهم في تشكيل الرواية وتخلقها شكلا ومضمونا بلغتها الخاصة ، وبصياغتها المنقحة . فالكاتب كيفما كان حجمه لايكتب من فراغ . بل من نصوص متعددة مقروءة ومشاهدة ومسموعة. وليس غريبا أن يقول الشاعر الكبير محمود درويش وهو يتسلم جائزة القاهرة إنه : " ليس إلا امتدادا لجميع الشعراء " وأنه لم يفعل إلا " أن وقع اسمه على النص الذي كتبه آلاف الشعراء قبله " ص.51  نقلا عن كتاب " في الانفصال " . عبد السلام بنعبد العالي  ...
وإن كانت رواية " على الجدار" تحيل على آثار للواقع المعيش على مختلف المستويات والمكونات : كالشخصيات ، الحدث ، الزمان، المكان.. فهذا التماهي والتصادي الجزئي بين الواقعي والخيالي ، يندرج ضمن لعبة السرد الفنية والإيهام بواقعية الرواية ، وإشراك القارئ في تتبع الحدث والنبش عن سمات الواقعية للشخصيات قصد تحقيق متعة مزدوجة، لذة القراءة ولذة المعرفة . وإشراكه أيضا في كتابتها وإعادة صياغتها بالزيادة والحذف بالتعليق وبالرفض والقبول لما يتسرب بين سطورالرواية من نصوص خفية مسكوت عنها أو متحفظ عليها . على شاكلة قراءة الرواية التفاعلية، التي تتيح للقارئ إمكانية التدخل للقيام بتعديلات على المتن السردي . ذلك أن الأحداث تثير إشكالات متعددة، وأسئلة حارقة تمتد من بداية الرواية حتى نهايتها.

عبد االعاطي جميل / المغرب

محور جميع الروايات

 3. على الجدار/ قراءات

جميلة السيوري
ذوات تتوق للتمرد
 
عبد العزيز العبدي
نبش على الجدار
علي بنساعود
لو يصلنا هذا الربيع
خديجة شاكر
 من الوهم إلى سكينة الحب

عبد العاطي جميل
تقميشات على الجدار
 
جمال الفزازي
حوارية الربيع العربي
رشيدة لكحل
 الحلم والبحر
 
الاتصال

 

Conception _ Création _ Desisgn: Halima Zine El Abidine