دراسات روايات

قصص

شعر صاحبة الموقع

خاص 

فرنسية فن تشكيلي قصص شعر

مختارات 

Bookmark and Share
       

دراسات//  مقالات

حرب العقائد على مواقع التواصل الاجتماعي

دراسة

حليمة زين العابدين
 

مع حلول شهر رمضان من كل عام، تصبح العوالم الافتراضية ساحة حرب عقائدية، المعارك الكلامية على أشدها وفي أحط مستوياتها بين مدعي الإلحاد على قلة من يصرحون به،وبين دعاة الإيمان الذين يغزون في هذا الشهر كل ساحات التواصل الاجتماعي، موسعين مجالات المد الاكتساحي لدعاة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . منهم من يلوح بسياط الجلد وحجارة الرجم وإقامة القسطاط السماوي، ومنهم من يكتفي بتقسيم عالمه الافتراضي الى مؤمنين وملاحدة... والحرب بينهم كلامية... قذائف السب والشتم تأتي من كل اتجاه في غياب شبه مطلق لخطاب يؤسس لقيم التسامح والقبول بالاختلاف، يبني أس الحرية، حرية الاعتقاد، واعتبار الدين كالأكل والملبس مسألة شخصية لا تعلو القيمةَ المشتركة للأرض التي ننتمي إليها. ليكن الدين لمن شاء وكيف شاء والأرض للجميع... كي نبقي في مجالات التواصل هامشا يتساكن فيه الديني واللاديني، المؤمن وغير المؤمن.
مؤسف أن ترى أنصار الإلحاد منزلقين في متاهات السخرية والكلام المنحط البذيء وهم، يدافعون عن قناعاتهم شأنهم شأن أنصار دين معين أو ملة منه.
اللادين، هو التسامي على الأديان كلها بإشاعة القبول بالاختلاف في المعتقد.
هو نقاش العقل بعيدا عن التهكم والسخرية المتبادلة، وهو نقاش الغيبيات بتصور علمي لا يبخس معتنق اي دين، دين، هو عمل على ترسيخ أن الإيمان بالله او عدم الاعتقاد بوجوده، مسألة خاصة، كي نتعايش جميعا وبسلام على هذه الارض، وأن لا سلطة لأية دكتاتورية كيفما كانت، دينية أو سياسية أو إلحادية أو غيرها، وانما السلطة لقيمة الإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده.
ان إثبات وجود الله أو نفيه من أصعب المسائل، لا بالنسبة للمؤمن أو غير المؤمن، أستعمل صفة غير مؤمن بدلا من نعت الملحد، لآن الملحد بما يعنى الإلغاء الذهني والوجداني لوجود فكرة أو ذات اسمها الله، هو شخص لا وجود له في نظري.
الإلحاد لا يعني نفي الوجود عن الذات الإلهية، وإنما يعني الإنكار لفكرة الله والالغاء المطلق لها وعدم التفكير فيها. ملحد بهذا المعنى لا وجود له، فليس هناك من يطلق على نفسه صفة الملحد ولا تراوده بين الحين والآخر تساؤلات بشأن وجود قوة خفية يسميها بعض الله وبعض آخر الطبيعة أو أي شيء، أو وجود ملحد تخلص كلية من هيمنة التفكير في الله ولو بنقده.
الكثير ممن كان يطلق عليهم ملاحدة سواء في العصور القديمة مثل أبي العلاء المعري المعري أو العصر الحديث/ المعاصر مثل جلال العظم أو أدونيس على سبيل المثال، فبالرغم من ماديتهم كان حضور الله قويا في كتاباتهم نقدا او تجريحا او استخفافا. التفكير في الله بالسلب او الإيجاب وكيفما كانت صورة هذا الله، ينفي معنى الالحاد، والخلاصة ان ليس هناك ملحد قطعا. هناك لا ادريون، وجود الله أو لا وجوده لا يعني لهم شيئا ولا يتساءلون بشأنه، لا يناقشون وجوده أو عدمه، واللا أدرية ليست حالة دائمة إذ حتما تراودها حالات حضور الذات الإلهية سواء لنفي وجودها او لإثباته، وفي هذه الحالة يمكن تسميتهم باللادينيين، وهم من لا يعتقدون في الدين/ أي دين، لا يمارسون طقوسا، ولا يقلقهم مصير الجسد او الروح بعد الموت.

 أتساءل لماذا هذا الصراع اللسني حول الله بين مدافع عنه وناكر لوجوده... هل المشكل في حماة الدين أم في الله؟ هل المشكل في هذه السلوكيات الاجتماعية أو المرضية والشيزوفرنية، الممارسة باسم الدين وتحت غطائه أم في الله المجرد فكرة  نلبسها الشكل الذي نحن عليه، نسقط عليها سلوكياتنا ومواقفنا ونزعاتنا للشر او الخير؟ لا تقل لي الله والدين وجهان لعملة واحدة؟ فالبوذية مثلا تعتقد في صانع لهذا الكون لا علم لي بما تسميه، ولكنها لا تدعو إلى القتل باسم إلهها ولا ترغم أحدا على اتباعها وليس في قاموسها المرتد والمارق والزنديق والقَصَاص أو بيع صكوك الغفران.
مشكلة هذا العالم الاسلامي المتمثلة في الترهيب والتقتيل والتفجير والحنين إلى حياة النوق والتمر والخيام، هي مشكلة دين بجلباب الكراهية للمختلف سلوكا او لباسا او مظهرا اجتماعيا وإن كانت له نفس العقيدة، وليست مشكلة إله يتجسد حضوره في اللاوعي ليأخذ شكله على مستوى تخييلي بحجم وشكل ونوايا ومسلكيات المُتَخَيِل....

حليمة زين العابدين / المغرب

 

Conception _ Création _ Desisgn: Halima Zine El Abidine