منذ صدور مدونة الأسرة سنة 2004 إلى الآن، وهي في محك التقييم بمعيار الحداثة،
وفي شأنها تضارب ووجهات نظر الهيئات الحقوقية والحزبية والنقابية
والجمعيات النسائية، ووجهات النظر هذه، يمكن إجمالها في ثلاثة
مواقف معبر عنها:
الموقف الأول:
موقف رآها ولا يزال إصلاحا تشريعيا غير مسبوق في كل البلاد
اللاسامية، ومشروع المجتمع الحداثي وهي إصلاح أشبه بالثورة على
قانون للأحوال الشخصية السابق عنها، والمتحصن بالقدسية لمقاومة كل
مطالبة أو محاولة للتغيير وعلى مدى 36 سنة (19571993) إنه موقف
منظمات نسائية وهيئات لا تتعارض مع ما أكدت عليه وزاره العدل آن
ذاك باعتبارها مدونة للأسرة صيغت بمقاربة تلائم بين القيم
الإسلامية السمحة والاتفاقيات والمواثيق الدولية، أسسها تقوم على
مبادئ جوهرية هي:
1 مبدأ المساواة:
بما يؤكد على أن النساء شقائق الرجال في الأحكام، بالنسبة لسن
الزواج والحضانة وعند إبرام عقد العلاقة الزوجية، أو في حالة فسخه
مع اعتبار مبدأ الاتفاق على تدبير الممتلكات المكتسبة خلال الحياة
الزوجية، ويراعي حقوق الأطفال ويضمن كرامة الرجل.
2 التشريع لأسرة التعاون ومسؤولية الزوجين المشتركة في رعاية
الأسرة والقيام بشؤونها.
3 توسيع سلطة القضاء لحماية حقوق كلا الزوجين بما لا يتعارض مع
حقوق الأطفال.
الموقف الثاني:
موقف يراها ابعد من أن تكون مشروع مجتمع حداثي باعتبارها كانت
ولازالت معطى فوقيا لم ينتجه المجتمع، وهو بذلك عاجز عن تطبيقه،
كما أنها قانون استثني من المسطرة العادية لوضع القوانين إذ تم في
إطار لجنة ملكية استثنائية. ولم تستجب إلى مطالب حركة حقوقية
ونسائية تقدمية تستهدف مطابقة التشريعات المغربية مع ما تنص عليه
المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فهي لم تضف على مدونة الأحوال
الشخصية السابقة سوى تعديلات طفيفة مما يبقيها في تعارض مع
الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في مسائل كثيرة ومنها:
الولاية الاختيارية التي تتعارض مع الإرادة الحرة في الزواج، اللا
مساواة في الإرث، سلطة الزوج عند فسخ عقد الزواج حيث أبقت الطلاق
بيد الزوج وإن كان بطلب الإذن من القاضي الذي يحرص على حضور
الزوجة، وهي لا يشكل رفضها الطلاق مانعا لإحداثه، وكذلك فإن رغبة
الرجل في الطلاق تتم خارج مساطر التطليق والشقاق. ومن بين مظاهر
تناقض مدونة الأسرة مع ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق
الإنسان، مسألة التعدد وزواج القاصر، وإن تم تقييدهما، فقد بقيا
قابلين لاستعمال مختلف أساليب التحايل على القانون كاللجوء إلى
مسطرة ثبوت الزوجية، دون احترام القيود القانونية التي تفرضها
مسطرة التعدد، أو الحصول على إذن القاصي لتزوج القاصر. كما إنها لا
تجرم العنف الزوجي ولا تنص على عدم إسقاط العقوبة على المغتصب في
حالة زواجه من المغتصبة.
الموقف الثالث:
وهو موقف يرى أن مدونة الأسرة كانت حدثا تاريخيا، لأنها أزالت
القدسية عن قانون الأحوال الشخصية وأحدث معها شبه قطيعة، لأنها
قامت على مبادئ مغايرة ؛ التعاون والمساواة بدل الطاعة، وتخلت عن
استعمال مصطلحات حاملة لشحنات الدونية وأنها جاءت نتيجة نضال
انخرطت فيه الحركة النسائية والحركة الديمقراطية في المغرب، نساء
رجال، وهذا الحدث يمكن أن يكون طفرة المجتمع نحو الحداثة
والديمقراطية إذا ما نسجم تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة مع فلسفتها
المنطلقة من مبادئ المساواة وأسرة التعاون والمسؤولية المشتركة
بتوفير ألياته وشروطه وتم توعية المجتمع بها وبمقتضياتها. غير أن
هذين الشرطين لم يتوفرا فبالنسبة للتطبيق الصحيح لها إذ تعترضها
الكثير من المعيقات منها:
1 إن الأطر المكلفة بتنفيذ مقتضياتها غير كافية من حيث العدد
ومن حيث التمكين والتأهيل -لإدراك أبعادها وفلسفتها، وغير قادرة
على التخلص من الموروث الحامل لأبعاد امتهان كرامة المرأة
وإدلالها.
2 عدم تتوفر محاكم خاصة بقضايا الأسرة، كما تنص عليه المدونة،
إذ يجري والى حد الآن التعاطي معها في أقسام تابعته للمحاكم
الابتدائية وان استقلت في بعض المدن بناياتها. فهي تعاني من نقص
البنيات التحتية وفي أطر القضاء المكلفة بقضايا الأسرة وحل مشاكلها
المطروحة على المحاكم، وهو ما يساهم في تكديس الملفات وفي المشاكل
التي يثيرها استدعاء المجلس العائلي أمام المحكمة من غير وجود
قاعات ومكاتب مناسبة لتسهيل عمل القضاء وتفعيل حقيقي لمسطرة الصلح
تماشيا مع هدف المدونة ومجلس العائلة. ومع تراكم الملفات وتعددها
وقلة الموارد المسئولة عن حلها، تتعطل كل أدوار الصلح الممكنة
والمحتملة.
3. انحراف مبدأ توسيع سلطة القضاء لحماية حقوق كلا الزوجين بما لا
يتعارض مع حقوق الأطفال. ذلك أن الإعمال الموسع للسلطة التقديرية
لدى القاضي فيما يتعلق بزواج القاصر، التعدد، تقدير النقفة،
المستحقات المترتبة على التطليق، يأتي بتطبيق عير عادل للنص
القانوني بعيدا عن غاية المشرع...
3 البطء في إصدار الأحكام مثلا في دعاوى النفقة التي يجب البث
فيها داخل أجل شهر، وقد تستمر إلى مدد أطول، مما يؤدي إلى مآسي
اجتماعية مثل التشرد والضياع بالنسبة للأطفال.
4 تعقيد المساطير وبطء تفعيلها:
مسطرة الزواج وهي لا تحتكم لمنهج موحد ذلك أن بعض المحاكم تفرض
جلب عقود الازدياد من أماكن الولادة مهما بعدت عن مكان السكنى. كما
يطلب من الأزواج الإدلاء بشواهد طبية لإثبات الخلو من الأمراض
المعدية وما دام هذا الشرط واسعا وعاما فيمكن اعتبار الزكام أحد
موانع الزواج نظرا لأنه مرض معدي، كما تنص المدونة على أن الراغب
في الزواج عليه أن يضع ملفا يؤشر عليه من طرف القاضي قبل إرساله من
طرف العدول إلى المعني، وهو ما يضيف وظائف أخرى لدور القاضي غير
أمور التعدد وزواج القاصر.
مسطرة التطليق بسبب الشقاق، تم تحديدها حسب القانون في ستة
أشهر، وقد تطول المدة بسب تراكم الملفات،
مسطرة التطليق للغيبة، يمكن أن تصل إلى أربع سنوات،
5 رفض القضاة لعقد الوكالة، دون توفرهم على أي سند قانوني أو
شرعي وهو ما يسبب الكثير من المشاكل خاصة للمغاربة القاطنين
بالخارج
6 تفاوت الأحكام بين محكمة وأخرى وبين منطقة وأخرى، إضافة إلى
عدم تفعيل دور النيابة العامة، وعدم إلمام المحامين بمقتضيات
المدونة خاصة فيما يتعلق بزواج القاصر والتعدد
هذا بالإضافة إلى العديد من الخروقات لمضامين ومحتويات المدونة
والتي أوردتها تقارير الجمعيات النسائية والحقوقية وهي كلها تتنافى
وفلسفة المساواة والتعاون وتكرس منطق الميز وتتغافل التحايل على
القانون لتزويج القاصر أو لإباحة التعدد والتهرب من النفقة أو لطرد
الحاضنة من بيت الأسرة.
ومن المخاوف التي يثيرها أصحاب هذا الموقف أن المدونة يمكن العصف
بها، ما لم تدرج الحركة النسائية والحقوقية ضمن مشروعها النضالي
بعد تغيير المكونات الثقافية للعقلية المغربية، فمدونة الأسرة
مهددة كما طموح المجتمع الحداثي بفكر نكوصي يعادي التغيير وبالردة
عن التفكير العقلاني الحداثي التي تكتسح المجتمع.

حليمة زين العابدين / المغرب
|
|
|