دراسات روايات

قصص

شعر صاحبة الموقع

خاص 

فرنسية فن تشكيلي قصص شعر

مختارات 

Bookmark and Share
       

دراسات//  قراءة في روايات

علبة الأسماء لمحمد الأشعري

شعرية رواية واحتضار مدينة

قراءة عاشقة ،حليمة زين العابدين

مخمد الأشعري

علبة الأسماء رواية جموح، لا تمنح ذاتها لقارئها في لقاء بصري أول، أو وحيد. مداخلها كثيرة، وكل واحد منها يقود إلى متاهات غرائبية وعجائبية، أو واقعية لسلسلات من حلقات قصص متعددة، تحكى من وجهات نظر متباينة وبأساليب متنوعة شعرية، سردية، وسينوغرافيا... رواية تسير بقارئها في منعرجات متشابكة تتباعد وتلقي في عالمين كبيرين...
الأول:
 عالم مفتوح على البحر وقراصنته والهاربين بأجسادهم من ضفته الأخرى العائدين إليها في أحلامهم محملين بمفاتيح بيوت، تركوها هناك وأساطير الكنوز المخبأة تحت أنقاض السراديب، والأنفاق التحت أرضية، وحكايا العرق الأنقى المحصن بزواج القرابة العائلية، أو العرقية داخل علبة أسوار عالية، أكل ملح البحر جدع بيوتها وخشب سقف دور قصبتها، وتشوه كثير من نسلها من ركود الدم في بركة منذورة لليباس والانقراض... إنه عالم الحب المجنون وموسيقى الطرب الأندلسي والغرناطي والملحون، عالم غدر السياسة وعفن بطرونات المال ومفياته، عالم الاغتيالات، والصراعات الخفية، والمغامرات المستعصية، عالم الخرافة والأشباح والمعتقدات في السحر والشعوذة... عالم المتناقضات حيث يتساكن الشر، والخير القبح، والجمال وحيث يتناسل الواحد من الآخر...
الثاني:
 عالم مغلق على بحر من الكائنات البشرية، يتربع على مشارف مصب النهر، ولا يأتيه منه غير صدى الموج وصدى الشمس، وضباب البحر المالح الخانق... إنه مقبرة نصف الأموات نصف الأحياء، تتكس فيه الأجساد داخل علب اسمنتية تسكنها روائحها المتقرحة من ضيق المكان واختناق أنفاسه، ومن الأوبئة تحصد الأرواح بشكل جماعي... عالم المنع من الحرية وهدر الكرامة في ذات الأن...  إنه عالم السجن، الداخله مفقود والخارج منه مولود، يحمل سجنه معه، يقول مالك القابع فيه بسبب جرم الكتابة" من السهل أن تغادر السجن، لكن إذا دخلته لن تحرج منه أبدا. لأنه يصبح جزءا من جسدك، أصابع غير مرئية تلمس بها العالم... إنه المكان الذي لا تحتاج فيه إلى تعلم أو نصيحة، لأنه يتولى بنفسه ترويض طاقتك على التحمل والتكيف ص240... وفي جناح النساء منه، تصبح قصة الاعتقال هي الهوية الأولى والأخيرة للسجينة، عليها يتوقف نوع التعامل، وطبيعة العلاقة التي ستربطها بالمجال الجديد، وعلى أساسها تحسب المصالح والمخاطر وسواء كانت السجينة قوية، أو ضعيفة قاسية، أو لينة فإن جريمتها، وخطورة العقوبة التي تنتظرها، هي التي تحدد موقعها في خريطة الاعتقال. ص218.  عالم رغم قتامته الشاسعة، يبحث في ظلامه وظلمه عن شعاع للشمس، أو عن خيط مطر، ينسج منه رداء للفرح... جاء على لسان السارد: "احتفاء السجينات بالمطر دليل أخر على عجز القسوة على ابتكار جحيم مطلق" ص217، ويقتلون صمت جدران الإسمنت بالغناء، فحين تفتح أبواب العنابر، أو الزنازين للاستراحة، يصدح كورال السجن بأغاني ناس الغيوان، أو يرتفع صوت القرصان السجين بأغاني الأفلام الكلاسيكية التي يقدمها للمساجين ويكون البطل فيها محمد عبد الوهاب أو فريد الأطرش. ورغم الفصل والعزل بين فئات السجناء بحسب نوع التهم سياسة، أو حق عام، أو بحسب العمر، صغار الجانحين، أو الكبار، أو بحسب الجنس نساء أو رجال، يكون للحب سلطان يبتكر له الكبار أساليبا للتواصل، تلعب فيه علبة الثقاب دور الهاتف وساعي البريد، يقول السارد: «المربع الذي يعتبر استراحة، ترى منها السجينات قطعة سماء بعيده وراء القضبان، هناك حيث نشب عراك حامي الوطيس بين نساء يبحثن في الأقدام المتقاتلة عن علب ثقاب، تسقط عليهن من الجهة الأخرى للمربع  أي من استراحة سجن الرجال... وعندما تتأكد كل امرأة معنية بهذا القتال أن علبة الثقاب التي حصلت عليها، هي فعلا علبتها، ستجلس النساء وظهورهن إلى الحائط وستبدأ كل واحدة في قراءة الرسالة التي توصلت بها مطوية بعناية في علبة الثقاب، من رجل لا تعرف منه شيئا، سوى أنه هو أيضا يوجد في علبة... ويصير الحب في السجن وإن كان افتراضيا أهم من العفو وهو بمعنى الحرية... ص 264 ولا يخلخل هذه القاعدة إلا وصول المعتقلين الإسلاميين إلى علبة الإسمنت يحرمون الغناء والحب، يفسدون بتعاليمهم لذته وإن كانت مجرد  وهم وافتراض، تجرى في الذهن وفي المشاعر فقط... كما افسد وباء الكوليرا الذي غزى السجن نظم منح العفو، وجعل الحرية تتخذ شكل جنازة عظيمة. < هذان العالمان معا، المنفتح، عالم المدينة الرباط والمنغلق عالم سجن لعلو، وضع الكاتب لك منهما عنوانا، الأول "الطفل الذي يتبع النوارس" والثاني الكورال... عنوانان بقدر تجلي تباعد حقولهما المعجمية، وانتماء مكوني العنوان  الأول : إلى حقل إلانسان وحقل طيور البحر ، وانتماء  الثاني إلى حقل الموسيقى، فهما من حيث الدلالة يحبلان بمعاني تكاد تكون متطابقة،كلاهما يحيل على الشعر، فالطفل أي طفل، هو قصيدة حياة وأمل والنورس هو رمز للحب والوفاء والحرية رمز ممتد من عصر الأسطورة إلى الشعر الحديث اذ لا يكاد يخل ديوان شاعر معاصر من قصيدة  لم يوظف فيها النورس، هذا بالإضافة إلى شعرية الجملة العنوان... والشعر يحمل موسيقاه  والموسيقى تحارب الكراهية وتمنح الراحة النفسية بحسب رأي الأخصائيين النفسانيين ... غير أننا وبتتبعنا للمسار السردي للرواية نجد خرقا في الدلالة الرمزية  لكل من العنوانين، فالنورس يصير جسر الموت، موت الطفل مصطفى والطفل يقود أمه  إلى السجن... وفي السجن أطفال صغار جانحين هم  فرقة الكورال، يموتون كذلك بسبب انتشار وباء الكوليرا في السجن، ويموت النمرود معتقل محكمة العدل الخاصة بنفس الوباء. ولم يكن فقط رئيس فرقة الكورال، كان الأب الروحي لأطفال السحن، يشرع لهن الأبواب الأخرى للحياة خارج أسوار التعليب الإنساني... وهكذا ففي العالمين معا يسير الزمن وفق خطين متوازيين ومتشابهين في محاربة كل جميل في الحياة...  "ليحل مكانه الظلام، يصيب الألوان الزاهية بالبرد... ومن هذين العالمين تطالعنا قصص كثيرة، مستقلة المبنى والحدث، وفي ذات الآن تربط بينها أواصر قربي تعود إلى القوى الفاعلة فيها أو إلى الزمان أو المكان، أو إلى نفس الحدث ويختلف الساردون. وكل قصة تصلح متن رواية، إننا في علبة الأسماء لا نقرأ رواية فنية واحدة بل روايات... وكل قصة تضطلع بدور محوري في مسار تطور علبة الأسماء التي تحتويها جميعا وتكون بذلك القصة ذاتا فاعلة في حبكة الرواية الأم...  وهكذا نجد الكاتب يرسي لعبلة الأسماء مبنى حكائيا يشيه العمارة الشاهقة بشقق مستقلة بناسها واثاثها ولكنها مفتوحة على بعضها البعض متحررة من قيود الجدران، تصنع اقدارها المشركة، وعوالمها الفردية في حرية توحي بان الكاتب حين انشأها لم يقرر مصيرها، طريقة في الكتابة تذكر بقول المخرج والسيناريست الياباني كوروساوا:
" إن الآلهة وحدهم، المولعون بالنظرة الكلية للإنسان وللعالم ويشاركهم في ذلك الروائيون وكتاب السيناريوهات الرديئة، المحتفون باكتشاف حبكة مخلوقاتهم واقتحام نفوسهم وترتيب المشاهد وتنظيمها وهندسة مسار الحيوات من البداية
إلى النهاية..."  نفس الرؤيا للعمل السردي تأتينا في علبة الأسماء على لسان السارد، يقول:" وكلما تقدم مالك في وضع أسس لحكاية متماسكة جاء الفقيه بعنصر جديد يخرب الأساس، ويجعل الأجزاء مقنعة عندما تكون أجزاء وغير قابلة للتصديق حين تجتمع في كتلة واحدة... ثم إن الحكاية لا تولد إلا متعددة غزيرة الروايات، مختلفة الأوجه... والحكايات الأكثر قوة وإقناعا هي التي تغرق الحقيقة المفترضة في بحر من الاحتمالات الزائفة." ص 250... كل حكاية في علبة الأسماء لها شخصياتها وكل شخصية لها قصتها هي مشروع رواية جديدة... وتمنيت لو كان المقام والوقت يسعف لأقدمها كلها فجميعها يثير الإعجاب، وان كنت علقت في شباك شيمرات، واحببتها أكثر من غيرها، شيمرات التي ولدت بنتا في بيت عبد الحنين مولاطو، وبعد عقود من المواليد الذكور... أحبت مرة واحدة رجلا لم تتزوجه، انه بدرو فنان الطرب الاندلسي واحبها منذ بدء تكوين شفتيهما ليستقلا قبلة مسروقة من الخوف والممنوعات والمحرمات...   ومن يومها ما توقف حبهما وما اختليا ببعضهما... تزوجت بعد قبلتها الأولى خمس مرات، انجبت بنتا واحدة من زواجها الأول ماتت وتركت لها حفيدها عماد... ولم يتزوج ابدا الجميل بيدرو لأن لا امرأة استطاعت ان تنزع شيمرات من قلبه وعقله... في سنتها الثمانين تعيش وبدرو قصة حب البدايات، تقبل على الحياة بكل تلك الكثافة التي لا علاقة لها بمن يقف على حافة القبر... يأتي بيدرو إلى بيتها كل ليلة سبت محتضنا آلة طربه وتكون سهرة عشق صوفي،  في بداياتها كان يحضرها حفيدها عماد المحامي وثريا حفيدة بنت اختها وريتشارد زوجها،  مسحورين بهذه العودة المتأخرة
إلى عشق قديم.  ومع الأيام أخذ عدد حضور السهرة يتقلص ولم يبق غير شيمرات وبدرو " يقرع بطريقته الخاصة باب الحماقات فتهب شيمرات لاستقباله...  ويستمر حب العجوزين في بوح عشق ازلي... وتستمر شيمرات امرأة متصالحة مع ذاتها لا تهتم لصخب المدينة ولسانها...  
شيمرات أحبها،كذلك بين زواج وآخر، ذات زمن صبا، بَّا عمر عم عماد حفيدها، ومثاله الأعلى، لم تقبل الزواج منه لأنه يصغرها بعشرين سنة، استمر في عشقه لها، لا يبالي أنها لا تقاسمه عواطفه... انخرط بَّاعمر شابا في حركة مقاومة الاستعمار، اعتقل يسبب السياسة، وفي السجن التقى عبد الرحيم بو عبيد وسكن نفس الزنزانة مع الشهيد أحمد الحنصالي المقاوم الأول بمنطقة الأطلس المتوسط. مع رحيل المستعمر يعينه الشهيد المهدي بنبركة حارسا في السجن، وتشاء عبثية القدر أن يعتقل عبد الرحيم بوعيد زمن الاستقلال ليودع سجن العلو، فيمتنع بَّا عمر عن إغلاق  الزنزانة زهز بداخلها... وفي السجن يصادف بّا عمر البودالي  المعتقل بسبب اقتحامه منزل الغير ومشاركته في تفجير نفقه بحثا عن خريطة كنز أغراه بها إسباني مات تحت ركام النفق... وتستمر علاقتهما إلى ما بعد تقاعد با عمر  وخروج البودالي من السجن، يضاف اليها عماد محامي البودالي، وفقيه أمزميز ، يكشف لهم البودالي عن العلبة التي وحدها في النفق قبل تدميره... يشكلون فرقة بحث عن كيفية الوصول إلى كنز، تمر الطريق إليه عبر شيمرات  لان لها بيتا حقها من إرث عائلتها، ينفتح على النفق المدمر فوق كنوزه ، ولأن  الكنز مرصود باسم شيمرات... وسرعان ما تتحول فرقة البحث عن الكنز
إلى تخوين بعضها البعض وإلى صراع الشك يغتال بسببه البودالي ويودع بسببه فقيه أمزميز بالسجن... في السجن يلتقي فقيه امزميز بمالك المعتقل السياسي إثر اندلاع أحداث تطوان والناضور والحسيمة ومراكش سنة 1984... تهمته أن عمه عمار اخترقت جسده رصاصة العسكر أودت بحياته كما بحيات مئات المتظاهرين والمتفرجين الأبرياء وأنه انجز تقريرا عن المقابر الجماعية التي اكتشفها بالناضور ولأن جريدة البايس الاسبانية نشرته... تاركا وراءه أمه وحبيبته هدى...  ومن سجنه يتواصل مالك مع ثريا نزيلة جناح النساء عبر علبة الكبريت...
ثريا بركاش، حفيدة بنت أخت شيمرات، هي البنت التي حطمت بعشقها لرتشارد الانجليزي قداسة المدينة، كان رتشارد جميلا، وثريا وكل الشخصيات الحاملة ألقابا أندلسية أو رباطيه في رواية علبة الأسماء، لم تنطبع على وجهها اشراقة الجمال، باستثناء شيمرات وبدرو والطفلة فاطمة بنت عماد من بديعة المرأة الأقرب إلى مسخ أو غولة.
كان لون ثريا القمحي وجسدها المتناسق يتكفلان بتعويض كل شيء ص7. وتزوجت ثريا من ريتشارد وقد عشق ضحكتها، أنجبت منه مصطفى... ولم تكن سعيدة بابنها، إذ لم يترجم بأمانة ذاك العشق الأسطوري الذي كان يجعل جسدها، يشرب كل ماء الجمال المتدفق من ريتشارد متأكدة ان خصبا باهرا سينشأ من ذلك. ص 13 ولكنه أعطى شبه بديعة زوجة عماد. كائن خرافي صغير، نورس من غير جناحين، حلق من بلكونة شقة الطابق الخامس، فسقط ارضا بلا حراك...ّ
علبة الأسماء ليست رواية شخصيات، ولا رواية فكرة، هي رواية سفر في دروب مدينة وحواريها، في واقعنا الجمعي وفي أحلامنا المؤجلة وفي أعطابنا، رحلة نبش في المقموع والمسكوت عنه في الدين وفي الساسية... هي ملفات دروس مفتوحة،
دروس في التاريخ القديم الذي لم نقراه في المدارس، عن جمهورية سلا عن القرصنة الجهاد عن الموريسكيين ينقرضون من الرباط، وفي تاريخنا المغربي لما بعد الاستقلال المكتوب بالدم وبالدمع الصامت في أقبية الجلاد أو بسوط القهر الاجتماعي الساقط على ظهر المواطن البسيط،
دروس في السياسة تستحضر صراعتها ودور المخزن في صناعة اقطابها، وركوبها باسم الدين... وكيف تؤلف صيغة تدبير بلد بأكملها في سهرة طائشة، بلد تروض أحزانها بتشييد أكبر مسجد في العالم، وتطفئ الانتفاضات ببعض طلقات من حكايات نارية وببضع سنوات من الأسر العشوائي ص117
دروس في الإعلام المغربي، وكيف أن التلفزيون هو أولا وقبل كل شيء للضحك من الناس وعليهم، ولملء المواكب الرسمية بالزغاريد وصراخ المذيع الذي بصل به الحماس إلى حد البكاء...
دروس الموسيقى الأندلسية نوباتها، أشعارها وموازينها والطرب الغرناطي والملحون وفي ظاهرة ناس الغيوان... وكيف ومتى تكون الموسيقى منذورة للذة.
دروس في الرقص حين يكون انتصارا للجسد على الروح.
دروس في النقش على الجبس وكيف تحول فيه مادة جبسيه إلى قصيدة، تشبه موسيقى الملحون,
دروس الكتابة الروائية وفي قدرة حبكة السيناريو على اختراقها...
دروس في الحب، شيمرات وبدرو بطاقته...
دروس في جغرافية الجسد، وكيف يطبع إيقاع الليل والنهار على رغباته الجامحة، وكيف يعلب في مربع اسمنتي، إنه أطول درس في رواية علبة الأسماء...
علبة الأسماء، هذا العنوان ذو الحمولة الشعرية المكثفة، إنه لا يحيل فقط على تلك العلبة التي عثر عليها البودالي تحت الأنقاض وبداخلها صفحة جلد أكلت الأرضة أطرافها... فلم تبق منها سوى رسم جدولين واحد بأسماء الجن والآخر بألقاب العائلات الرباطية التي لم تنقرض، وفي الخانة الأخيرة منه اسم شيمرات وهي آخر امرأة تحمل هذا إلاسم في الرباط، إنها تحيل كذلك على مدينة الرباط المعلبة داخل اسوارها، حتى تلاشت جل عائلاتها، وتحيل على السجن يعلب داخله الإنسان مختزلا في رقم أو لقب.

حليمة زين العابدين / المغرب

لائحة محور دراسات

 2. قصص وروايات

علبة الأسماء
محمد الأشعري
 
المنجز السردي
أحمد التوفيق
قصة الثمن
علي بنساعود
مجموعة البلح المر
دامي عمر
 
الاتصال

 

Conception _ Création _ Desisgn: Halima Zine El Abidine