ورقة من حياة إدريس
( قصة حب صامت)
في ركن منزو
بالبيت الكبير المطل على البحر، جلست جنان على كرسي غارقة في
صمت حزين، يخرجها منه، من حين لحين، قريب أو معتقل سابق، يقدم
لها مواساة العزاء، وتعود لصمتها، تصغي لنبش الذاكرة، تُركِّب
جزئيات حياة في صور فيلم خطي، تتوإلى لقطاته بطيئة أمام
عينيها. بداياته، طالبة في عامها الأول بكلية الآداب، والعلوم
الإنسانية، تحمل بذرة التمرد والعصيان، من غير انتماء سياسي
لتنظيم سري، أو حزب في العلن...
رأت إدريس وسط حلقة نقاش، داخل عالم طلابي، يتفجر بركان وعي
بضرورة تغيير واقع يجرفه القهر، والظلم، والاعتداء على حق
الانسان في حياة الكرامة، والحرمان من خيرات البلاد، تُقَسط
على جيوب الحكام، وأعيان البلد في غفلة من شعب يئن تحت أثقال
الفقر، والمرض والجهل... انبهرت به ثائرا نوعيا، متميزا في
الطباع عن باقي الطلبة السياسيين. عقلاني حين يحتد النقاش حول
قضايا الجامعة أو المجتمع. موضوعي حين يغلب النزوع الذاتي
واحتدام صراع الاختلاف. هادئ حين تعلو الجلبة حلقات النقاش
بساحة الكلية ومدرجاتها. تحول انبهارها به إلى حب يعصف داخلها،
ولا يجد منفذا للبوح، أو طريقا للاعلان عنه، غير الإيمان
بأفكاره ومواقفه الثورية في صمت. تحضر حلقات النقاش الطلابي،
تجد لكل كلمة ينطقها صدى في أعماقها... صارت قناعاتها، وصارت
لا تدخل حصة درسها قبل أن تراه. لم تكن تعرف من حياته، سوى أنه
يدرس في نفس شعبتها، وعموميات يوشوشها الطلبة:
"جاء الكلية مناضلا في صفوف حزب التحرر والاشتراكية، ثم غادر
الحزب ليلتحق باليسار، عضوا مؤسسا للمنظمة الماركسية الثورية
"إلى الأمام "...
تكتفي بمعرفة ما يخبرها به إحساسها، ورغبتها الجامحة في رؤيته
كل يوم قبل بدء درسها. وكثيرا ما تنسى محاضرة تنتظرها، وهي
تستمع له بالساحة، يناقش قضايا السياسة، وحقوق الإنسان... تفكر
في الانتماء إلى منظمته السرية وتفكر، لعل حبها له ما دفعها
للحسم في قرارها:
_ معه أستطيع أن أساهم في تغيير وجه هذا العالم. أتحول من
طالبة متأملة إلى مناضلة فاعلة سياسيا... لو يتم إلحاقي بخلية
يؤطرها!... إن كنت قريبة منه، شعر بحبي له، وبادلني إحساسي...
أليس للعيون رسائل؟ لو يقرأ عيني... تقول وهي في طريقها للقاء
الرفيقة المكلفة بإلحاقها بخلية في التنظيم...
عادت من لقاء الخلية، تحمل الكثير من الأمل في غد أجمل، وبعض
حزن. خاب تمنيها... لم يكن إدريس مؤطر خلية المنخرطين الجدد في
التنظيم.
_ غدا أراه في ساحة الكلية، سأراه كل يوم دراسة، أسمع نقاشه
وتدخلاته... تقول وتعيد...
صباح يوم ذاك الغد، وجدت جنان الكلية يعوي فيها الصمت. ولا أثر
أو خبر عن إدريس, كان يوما من سنة 1972. هي السنة التي عرف
فيها اليسار الثوري المغربي، ومازال جنينيا، موجة اعتقالات في
صفوف الطلبة اليساريين. ومن لم يعتقل منهم، تاه عن كليته
ورفاقه وعائلته وأصدقائه.
لم يكن بمقدور جنان السؤال عن إدريس، أو البحث عن خبره في ظل
الرعب والخوف، ينشر ظلامه على الكلية وخارجها. لم تعرف إن كان
تعرض للاختطاف أو الاعتقال، أو أنه تمكن من الهرب والاختباء في
مكان مجهول، كان يقينها أنها في كل الحالات، لن تراه أبدا، ولن
يعلم أنه خلف وراءه طالبة تهيم به. كتمت جنان حبها، وتفرغت
لدروسها...
استطاع إدريس أن يفلت من قبضة البوليس السياسي، غير أن كل
الأمكنة الممكن لجوءه إليها، يسبقه المخبرون إلى طرقها. لم تبق
له سوى فرصة دخول السرية، للحيلولة دون اعتقاله، كانت الضريبة
الحرمان من حقه في متابعة الدراسة، وقبلها معاناة إيجاد مكان
آمن يحتمي به من مداهمة ليلية، تقوده إلى حيث تحاكم الأفكار،
ويغتال الحلم بالحرية والمساواة، والحق في الحياة الكريمة...
خلال فترة القلق، والخوف هاته، والتشرد بحثا عن مأوي، يقيه
جنون الكلاب الظالة، تتعقب أثره، صادف بداية ليل حالك، وهو في
تنكره السري الطالبة "إكليل"، صديقته وأيضا رفيقته بمنظمة إلى
الأمام... توجه نحوها، في هدوء وقف أمامها، وجه شاحب غابت
ملامحه، جلباب، رث وسخ... غزى جسدها رعب قاتل، استدارت تجري
هاربة، ظنته معتوها ينوي الفتك لها. ناداها باسمها، رنة صوت
تعرفها، توقفت، استدارت نحوه، ابتسم:
_ أنا إدريس، رفيقك يا إكليل
عانقته ناسية خوفها...
_ ماذا حل بك رفيقي؟
_ مشرد بلا مأوى...
لم تفكر طويلا، دعته للاختباء ببيت، تشاركها السكن فيه ثلاث
طالبات، قبلن طواعية الدخول في خطر مغامرة إيواء مناضل يساري
متابع، اثنتان منهن لم يكن لهما شان بالسياسية أو على علاقة
بالتنظيم، والثالثة جنان التي ما باحت لأي من البنات شريكاتها
في السكن بعشقها الصامت لإدريس... وقد حكت لها إكليل، عن طالبة
مناضلة جميلة يتبادل وإياها حبا قويا. تقدم لخطبتها... وحين
طال غيابه متمددا كالجليد، علم أهلها بممارسته سياسة لا يأتي
منها غير السجن أو اختفاء يحمل اللاعودة. أرغموها على الزواج
حماية لها من تبعات سياسة محظورة...
_ وهل علم بزاوجها؟ وهل مازال يحبها؟ سألت جنان ودوار مجنون
بصدرها يخنق صوتها...
_ وكيف لي أن أعلم، وهو أكثر من عام، يعيش في غياهب المجهول...
التحق إدريس الشاب ذو العشرين سنة بشقة الطالبات، مختبئا من
عيون العسس، محكوما عليه إراديا وجبريا في ذات الآن، ألا يغادر
المنزل، أو يطل من شرفته، أو يصعد إلى سطحه. لا يرى خارجه ليلا
أو نهارا. وكان شديد الحرص على إخفاء أثر وجوده بالبيت، كأنه
لم يكن مقيما به، يتحرك في هدوء تام، وتقدير مطلق لذاته،
ولصاحبات السكن الذي يحميه، واللواتي تنازلن بإرادتهن عن حقهن
في زيارة الأصدقاء، والأقارب خوفا ومزيدا من الاحتياط. ولم يكن
ليتجاوز في تعامله معهن حدود التقدير، والوفاء واحترام
خصوصيتهن كنساء. لم تكن له طلبات، كان يقنع بذاك القليل الذي
تتيحه إمكانياتهن كطالبات، يتقاسمنه معه في سخاء، وإذ لم يكن
بوسعهن اقتناء فراش إضافي لنومه، كان يغمض عينيه لساعات
معدودات في نفس المكان الذي كان يطالع فيه كتابا . وحتى لا
يقلق نوم من شاركهن السكن بالبيت، كان يقرأ على ضوء شمعة.
يلتهم الكتب طول الليل وجزءا كبيرا من النهار، وفيما تبقى من
نهاره يشارك في أشغال البيت من كنس، وطبخ وغسل للأواني بلا
أدنى إحساس بتضخم "أنا الرجل".
أثناء هذه الفترة، مرض إدريس، وكان يتألم في صمت، لم يصمد
طويلا، وقد احتدت ألامه وأنهك جسده المرض، وأصبح خضوعه للعلاج
الطبي امرا مستعجلا، ولم يكن السبيل إليه سهلا، وكل الطرق
محفوفة بالخوف والرعب.
لم تعرف إكليل طبيبا قادرا على تأجيل الخوف أمام حياة إنسان،
سوى الدكتور علي صديقها... ذهبت إليه تزامنا مع وقت إغلاق
العيادة... رافقها مسرعا إلى البيت، وجد حالته الصحية تستدعي
إحالته على المستشفى...
_ المستشفى؟ لا ياعلي، هناك سهل اعتقاله وهو في حالة احتضار،
ألا يمكنك فعل أي شيء لإنقاده؟ سألت إكليل في توسل مضطرب...
خصص الدكتور علي وقتا لعلاج إدريس أثناء خلو العيادة من
المرضى، خارج أوقات العمل بداية االيل، مدة شهر كامل وبلا
مقابل.
وافق إدريس مرغما. وحين وقت ذهابه، يتخذ كل احتياطاته حتى لا
يكون خروجه للعلاج سببا في أذية نساء حمينه. يغادر البيت مع
حلول الظلام، متخفيا في لبوس فلاح فقير، جلباب مرقع، هو ذاته
الجلباب الذي كان عليه حين لقائه إكليل بالصدفة.
شفي إدريس، ولم يعتقل طيلة فترة السرية ببيت إكيل وصديقاتها،
وقد تجاوزت مدتها السنة. أمضوها في نقاش جاد، حول قضايا
المجتمع، ومنه قضية المرأة، تولدت عنه فكرة تشكيل تنظيم نسائي
يساري. تحولت الفكرة إلى مشروع، تكونت خليته الأولى من إكليل
والشهيدة سعيدة. وجنان، أما الطالبتين الأخريتين فالرغم من
عمقهما الإنساني وتضامنهما اللامشروط مع إدريس، كاتنا بعيدتين
عن العمل السياسي، ولا ترغبان به.
في يونيو1974 غادر إدريس مأواه السري لينتقل بأمر من تنظيمه،
وكان سريا أيضا، إلى مدينة الدار البيضاء، فانقطعت أخباره عن
جاراته في السرية...
استمرت جنان تحلم بلقائه، وهي لا تملك إمكانيات البحث عنه،
أوالقدرة على البوح لصديقاتها بحبها لإدريس.
في30 من يناير1975 وصلهن الخبر باعتقاله... أصابهن بحزن كبير،
عاشته جنان مأساة تسيل دمعها كلما انفردت بنفسها.
وفي نفس الشهر والسنة اعتقلت سعيدة. نقلا معا إلى المعتقل
السري درب مولاي شريف. تعرضا معا لأبشع، وأقسى أنواع التعذيب
الجسدي والنفسي، ولم يعترف إدريس بالبيت الذي احتضنه، ولا أعطى
أسماء الأربع طالبات صاحباته... كذلك سعيدة، لم تعترف تحت
التعذيب بالنشاط النضالي الذي جمعها بإكليل وجنان. نجتا من
اعتقال كان أكيد الوقوع لو ذكر اسمهما أثناء الاستنطاق.
أواخر سنة 76 تم ترحيل إدريس وسعيدة وباقي معتقلي اليسار بدرب
مولاي الشريف إلى سجني الدار البيضاء، غبييلة وعين برجة. لم
تقدر جنان، تحت تأثير الخوف من الاعتقال الذهاب لرؤيته بالسجن
وقد أصبحت زيارة المعتقلين مسموحا بها، ولم يكن يزر إدريس
بسجنه غير أمه...
بداية يناير 77، كانت محاكمة مائة وثمانية وثلاثين معتقلا
يساريا بالدار البيضاء. حكم على إدربس بثلاثين سنة سجنا وعلى
سعيدة بخمس سنوات، مضاف لكليهما وباقي المعتقلين سنتين حبسا
بتهمة الإساءة إلى القضاء. بعد انتهاء أطوار المحاكمة، تم
ترحيلهم جميعهم إلى القنيطرة، النساء إلى سجنها المدني والرجال
إلى سجنها المركزي. لم تستطع جنان الخروح من خوفها، لتغامر
بزيارة إدريس أثناء محاكمته او بسجن القنيطرة رغم كل الحب الذي
يستوطنها...
نونبر 77 دخل ادريس وباقي المعتقلين في إضراب لا محدود عن
الطعام، لتحقيق مطلب انسنة السجن، والتمكين من الحق في متابعة
الدراسة، والحق في العلاح بالمستشفيات خارج السجن، وفك العزلة
عنهم، وتمديد فترات الاستراحة... لم يتوقف إلاضراب إلا بعد
الاستجابة لمطالبهم، وقد مضت خمسة واربعون يوما من امتناع عن
الطعام، كانت سعيدة الفداء، استشهدت خلاله.
بعد حل الإضراب نقلوا جميعهم، في حالة احتضار، إلى
المستشفى....
نزعت جنان خوفا صار لباسها، وذهبت لرؤيته، لم يتعرف عليها وقد
كان معلقا بين الحياة والموت... استمرت في زيارته بالمستشفى،
وما توقفت عن الذهاب إلىه بعد عودته للمعتقل، تغدق عليه حبها
كله، تسانده، تخفف من تقل إحساسه بسنوات سجنه الثلاثين. توفر
له وسائل النجاح في دراسته، كتب ومراجع، وما لم يكن متاحا
شراؤه، تلجأ للطلبة لتوفيره، تلتمس منهم أن يستنسخوا لها دروس
المقرر باستعمالهم لورق الكربون، حين نقلهم للمحاضرات. تحملها
إلى بيتها تعيد كتابتها لتكون قابلة للقراءة، تمده بها أثناء
الزيارة. وتأخذ بدلها الواجبات الدراسية المطلوب إنجازها...
أمضت جنان أربع عشرة سنة ما بين السجن والعمل والانتظار
المميت... أفواج من المعتقلين كانت تغادر السجن، تحمل معها
الأمل بقرب موعد الإفراج عن باقي المعتقلين. يخرج المعفى عنهم
والذين انهوا مدد الحكم بالسجن عليهم، وإدريس باق، يجتر مرارة
الحرمان من الحرية...
خلت الطريق إلى السجن، و لم يبق بالمعتقل غير تسعة مناضلين من
بينهم إدريس، ولم يبق من أفراد عائلات المعتقلين المداومين على
الزيارة سوى اللطفل خالد االمزداد بعد اعتقال أبيه. تتخذه جنان
رفيق طريق ترعرع وشب فيها. تجد في صحبته سلواها كما يجد فيها
سلواه. هي ذي الفترة التي شكلت فيها جنان نافذة إدريس على
العالم الخارجي. وكان إدريس كل عالمها المؤجلة أفراحه وأحلامه
إلى حين خروجه. تنجذب إليه كل يوم أكثر لمقاومته، لتحديه،
لصموده، لقدرته الخارقة على التحمل والصبر، لعطائه الإنساني
بلا حدود.
16 غشت 1991 غادر إدريس المعتقل، ليجد جنان في انتظاره يعانقه
حبها، عطاؤها، وفاؤها، ودفء البيت الذي أعدته لاستقباله،
مسكونة بالأمل في حياة، تضع القطيعة مع عالم المعاناة وقسوة
الانتظار...
خرج إدريس من سجنه مثخن الجراح، على معصميه لازالت آثر القيود
مؤلمة دامية، تمنع عنه النوم أوجاعها... جسده يئن من وقع أمراض
أصابته وهو بالسجن.
انتهت محنة السجن، وبدأت أخرى مع المرض وعسر ذات اليد. لم يكن
بوسع راتب جنان الذي يقتطع منه البنك أقساط بيتها، ليفي
بحاجيات علاج إدريس، ومطالب حياتهما معا، كانت مرحلة عصيبة،
ضاعف من حدتها إحساسه بالعزلة والاغتراب في عالم عرف تغيرا
مهولا؛ والألم لتلاشي حلم جماعي كبير رغم ثمنه الباهض، قرون من
حياة بالقبور وزعت على رفيقات ورفاق في عمر الزهور... حصة
ادريس منها 17 سنة قضاها كاملة بالسجن.
كان لإدريس رفاق كثر، وإن غادر جلهم السجن قبله، فهم في نفس
وضعيته، مرض وعسر ذات اليد، اغتراب وبحث مضني عن كيفية إعادة
بناء الذات وترميم الشروخ العميقة داخلها. لم يجد ادريس سندا
غير "جمال" صديق طفولته. عاش معه محنة ما بعد السجن، سانده
ماديا ومعنويا. ساعده على تحديد اختياراته السياسية لما بعد
السجن.
لم يكد إدريس يتماثل للشفاء، حتى انخرط في المنظمة المغربية
لحقوق الإنسان، مسخرا قدراته الذاتية وإمكاناته المعرفية خدمة
لأهدافها. بعد ست سنوات من العطاء النضالي بها، سافر إدريس إلى
انجلترا لاستكمال الدراسة العليا في مجال حقوق الانسان
والقوانين الدولية بجامعة إيسكس سنة 1998. كانت هذه الرحلة
الدراسية بداية تحول في منظوره لمسألة حقوق الإنسان، متبنيا
مقاربة أستاذه نيجيل رودلي المقرر المتخصص في مجال التعذيب لدى
الأمم المتحدة. مقاربة تقوم على البحث وتقصي الحقائق ميدانيا،
كون معرفة جذور الحقيقة، تمنح القدرة على قراءة الماضي، بما
يمكن من المعرفة بأساليب طيه.
عاد من رحلته إلى إنجلترا ومعه مشروع بحث عن حقيقة الانتهاكات
في منطقة الأطلس كلها. يتملكه هاجس تحقيقه، وفي غياب أي دعم
مادي، باعت جنان سيارتها لتساعده على تحقيق مشروعه. صاحب إدريس
في هذه الرحلة ابن المنطقة أحمد، وكان يحلم هو الأخر بان يتم
الكشف عن حقيقة الماضي الدامي، التي تواريها جبال الأطلس. رحلة
تمخضت عنها ولادة فكرة جديدة في تاريخ المغرب، فكرة "منتدى
الحقيقة والإنصاف".
أواخر سنة 2001 سافر إدريس مرة أخرى خارج المغرب للمشاركة في
دورة للأمم المتحدة بنيويورك، خاصة بالعدالة الانتقالية، وكانت
فرصته لاستقراء تجارب الشعوب في طيها صفحات الماضي، استخلص
منها أن طي الماضي، يلزم كل مكونات المجتمع المعنية بالتصالح
مع الذات بما في ذلك السلطة الحاكمة. بهذا التراكم المعرفي دخل
إدريس أمينا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وخرج من بيت جنان
إلى بيته الكبير المطل على البحر، تركها مع بقايا سجنه... وحب
يستوطنها...
20 ماي 2007 مات إدريس بنزكري...
لم يمت حب جنان... غريبة تجلس في ركن منزو بالبيت الكبير المطل
على البحر، تبكي في صمت.
***
* كل الأسماء في هذه"
الورقة من حياة"، هي مرادف للاسماء الحقيقية، أو وصفا
لأصحابها، باستثناء اسمي إدريس وسعيدة، اما الوقائع فهي إعادة
تخييل وبناء لمخزون الذاكرة من محكي الكثير ممن عاشوا احداثها
في الواقع....

حليمة زين العابدين / المغرب
|
|
|