5.حوارية على مرفأ المرمرة
( قصة قصيرة)
قررت وصديقتي أن نمضي اليوم
الأخير من الرحلة صحبة البحر، اختلاءً بالنفس وإصغاءً لصخب
الداخل وهمسه.
كان المرفأ بهجة شاسعة لا يحده ساحل أو أفق. وكان الهدوء لا
يكلم صمته سوى انكسار الموج على الصخر وموسيقى تركية، تتدفق
سحرا من يخت راسِ بالميناء.
أخذت صديقتي كتابها، انزوت بين صفحاته...
يممت وجهي شطر البحر، أرهف السمع لحضور في الغياب وصوت يأتيني
من خلف غمام تفرق في السماء. فرح وحزن يلتبسان. يتناوبان على
ملء اللحظة مرارة ونشوة، يفجران في، نبع شوق لذيذ يتلون من
زرقة البحر يصير جسدي قيثارة تنبعث من خلاياها ترانيم خشوع
ومواويل عشق...
وانا سابحة في البحر وصلاتي، وقف الى جانبي شاب له عمر ابني،
يحييني بكل اللغات. رددت التحية باللغة التي طوعت لساني. سألني
عن بلد انتمائي، أجبته:
"أنتمي اللحظة إلى هذا الكون بلا حدود".
استأذنني في الجلوس الى جواري.
_ "أنا الآن أصلي": قلت
_ تصلين للبحر ام للسماء؟
_ أصلي لفكرة عن ذات قدسية تسكنني أراها خيرة، سمحة، طيبة.
روعة الكون من بهائها. تسمع دعائي، وانا اصغي لفرحها في حفيف
الشجر وخرير الماء وتغريدة الطير وسعادة الإنسان، واسمع غضبها
يجلجل في الرعد والعواصف والزلازل ومن دمع الإنسان.
_ أي اسم يحمل دينك؟
_ ديني لا سم له، إنه النقي من كل دين والجميل فيك وفي
_ صوفية انت؟
_ انا أعشق الحياة
_ الحياة ماض وحاضر ومستقبل
_ الحياة لحظات، الفائت منها لا احتفظ منه سوى بتجربة استفيد
منها وسعادة بعثرتني، الآني، لحظات تتوالى اشرب كأسها ملأه
حزنا او فرحا، عشقا أو عذابا. المستقبل، حين يجدني، أغني
اغنيته.
_ وفي الحياة حزن يكبر الفرح...
_ الحزن شمعة تضيء عتماتنا، ليكون لضوء الصبح معنى في
حياتنا...
_ كأنك عاشقة؟
_ أعشق الكون بما يحتويه
_ وأنا في هذا الكون؟
_ وأنت في هذا الكون.
_ تحبينني؟
_ أحبك.
_ وحين تنهين صلاتك؟
_ ستبقى نغمة رقت منها هذه اللحظة...
_ستنسيني؟
_ قلت لك، لا أذكر من لحظاتي سوى الجميل.
|

حليمة زين العابدين / المغرب
|
|
|