دراسات روايات

قصص

شعر صاحبة الموقع

خاص 

فرنسية فن تشكيلي قصص شعر

مختارات 

Bookmark and Share
       

رواية قلاع الصمت لحليمة زين العابدين

قراءة  

الأستاذة: أسماء بنعدادة

أسماء بنعدادة
رزاية قلاع الصمت

بلا نهاية

 

عرفتٌ حليمة في بداية الثمانينات، بداية تأسيس الحركة النسائية المغربية. عرفتها مناضلة، نسائية، كاتبة قصة ومسرح. تمكنت من متابعة إحدى مسرحياتها في نهاية الثمانينات حول تغيير مدونة الأسرة في مسرح محمد الخامس بالرباط.. لم أكن ألتقي بها كثيرا لكن أخبارها كانت تصلني باستمرار.. كانت رفيقة السجناء، سجناء الرأي ومرافقة عائلاتهم.> >
"قلاع الصمت" هي واحدة من أعمالها السردية.
 القلاع جمع قلعة "الحصن الممتنع" إحالة لمكان بني على جبل، مكان مغلق، مراقب، يصعب اختراقه أو الولوج إليه، مكان يمكن أن يختاره الإنسان كما يمكن أن يجد نفسه فيه قهرا، مكان للانزواء، للابتعاد، للإبعاد. أو مكان لحماية النفس وتحصينها من الأعداء.. أما الصمت، هل هو فعلا لغة العظماء كما علمونا؟ أم هو لغة من لا لغة له؟ الصمت، يحيل على السكوت والامتناع عن الكلام، أو هو انعدام الكلام والتوقف عن ممارسته، الامتناع عن البوح والتعبير، الصمت هو المسكوت عنه الذي نحسه ونعيشه لكننا لا نتكلم عنه.
"صمت دهرا ونطق كفرا " فاختار مجددا الصمت..
هل ستتمكن حليمة من تجاوز أحصنة القلاع واختراقها؟ هل ستستطيع تكسير صقيع الصمت الذي طال دهورا؟ غزوة حليمة غزوة كلمات وبوح وقصص تخرج من داخل قصة .. غزوتها هي مساءلة التاريخ والسياسة، هي مساءلة العادات والتقاليد والأفكار المسبقة، اختراق القلاع ممكن مع حليمة بالمزج بين الواقع والمخيلة في اختيار المكان الزمان والزمن والشخوص والأحداث والسرد الشيق..
تشتغل سوسيولوجيا الأدب كفرع من السوسيولوجيا العامة بالإبداع الأدبي، سواء في علاقته مع المجتمع والعلاقات والناس والأحداث أو في تحليل وتتبع شروط إنتاجه و إعادة إنتاجه في الأنساق المجتمعية
لا يعيش الأديب في معزل عن المجتمع بحركتيه وظواهره، في تغيراته وانتكاساته وتطلعاته، يوجد الأديب في قلب التحولات المجتمعية. لا وجود لأدب منفصل عن شروط المجتمع الذي يتأسس فيه، و هذا ما يجعل السوسيولوجيا كعلم إنساني اجتماعي قادرة على مساءلة الأديب و القارئ المفترض و الأثر الأدبي على العلاقات الاجتماعية .
لا أحد ينازع في اجتماعية الأدب وفي كونه دائما مرآة عصره، من خلاله نتعرف على واقع المجتمعات والعلاقات بين الأفراد والظواهر الاجتماعية والنفسية والقيم والأخلاق. فكيف بمن يقرأ "أنا كرنينا" للكاتب الروسي العالمي تولستوي أن لا يعرف كيف كان يعيش المجتمع الروسي في بداية القرن العشرين؟ وكيف لا نعرف التغير الهجين الذي مس مجتمعات النفط في الانتقال السريع من البداوة إلى الاستهلاك إذا ما قرأنا "مدن الملح" لعبد الرحمان منيف؟ وكيف لا نتخيل أنفسنا نعيش في فرنسا في القرن التاسع عشر ونلامس فظاعة الظلم الاجتماعي الذي كان سائدا في تلك المرحلة ونحن نقرأ "البؤساء " لفكتور هيجو ؟ الذي قال في مقدمة كتابه "تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفا اجتماعيا هو نوع من جحيم بشري. فطالما توجد لامبالاة وفقر على الأرض، كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائما". تعطينا مثل هاته العن كتاباتي الروائية وغيرها كثيرا دروسا في الخير والشر، في العدالة والظلم، في الفقر والغنى، في التخلف وإمكانية الخروج منه، في الحب والكراهية .. باختصار في البؤس الإنساني والاختناق الاجتماعي، الأدب هو إنتاج يحمل فلسفة في الحياة.
فالأدب في البدء و الختام يظل لغة إبداعية تستعمل تقنيات و آليات للتعبير عن فكرة ما، عن واقع ما، بجعل ما هو ذاتي صرف يتداخل مع ما هو مجتمعي عام. فكل عمل أدبي إلا و ترقد وراءه مجموعة من الخلفيات و الغايات المحركة لفعالياته. وهذا ما يجعل العلاقة بين الأدب و المجتمع قائمة بقوة، لا يكون الأدب أدبا إلا في ظل شروط اجتماعية تاريخية سياسية معينة. لهذا أمكننا القول بأن الأديب المنتج للعمل الأدبي يحمل هوية فاعل اجتماعي، و المتلقي أو القارئ لهذا المنتوج الأدبي هو بدوره فاعل اجتماعي آخر و النسق العام الذي يحتضن هذه العملية يظل هو المجتمع بفعالياته وأنساقه الفرعية الأخرى.
هي علاقة ثلاثية الأطراف، يلعب فيها الأديب دور المتفاعل المنتج، الإنتاج الأدبي من رواية أو شعر أو مسرح، ثم المتلقي.
في هذه العملية الثلاثية يلعب الاجتماعي والنفسي والثقافي أدوارا مهمة ومتفاعلة في إنتاج الأدب ورسم حدوده ومساراته. يلح أصحاب المقاربة النفسية على الربط الصارم بين العملية الإبداعية و بين العناصر السيكولوجية، في حين يركز أصحاب المقاربة السوسيولوجية على التداخل والتفاعل بين المحددات النفسية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية في صناعة الأدب.
بالنسبة للأدب المغربي والعربي في فترته الراهنة تعد حليمة زين العابدين واحدة ممن بصموا وسيبصمون أكثر أدب المرحلة، فهي أديبة متفردة بقلمها الطليق الشفاف البسيط والمبسط، قلم يجعلنا لما نقرؤها نتذكر لا محالة المقولة الفلسفية المنطقية المشهورة "السهل الممتنع" بالتعامل مع الوقائع بصيغة شبه مباشرة والتعبير عنها بلغة بسيطة وتلقائية وصادقة صنعت لنفسها مكانا متميزا وقراء متميزين ..
قراءتي لهذه الرواية ستكون عبارة عن مرور سريع عن أمكنة الرواية وأزمنتها وشخوصها وأحدثها وسردها ونهايتها.
المكان والأمكنة،
توزعت أحداث الرواية على أمكنة متعددة. المدينة والبادية "مراكش الرباط" / أيت ورير، بريمة، درب دباشي، جامع الفنا، البيوت، الدار الكبيرة المنزل التقليدي بفضاءاته الدويرية، السطح، السطوان، الرياض، دار الضياف،/ البيوت الصغيرة المغلقة، الكتاب المسيد كفضاء تقليدي ديني محدود مكانيا/ الجامعة كفضاء مفتوح متنوع ومتعدد.
الزمن
بداية الاستقلال في المغرب، حسب منطق جدلي للتاريخ، رصدت الكاتبة الأحداث التاريخية في تعاقبها، الخروج من مرحلة الاستعمار، بداية الاستقلال، الهزات التي عرفها المجتمع على المستوى الاجتماعي والاقتصادي نتيجة دخول أنماط عيش جديدة. أحداث متتالية في انتكاساتها، في خيباتها وفي تطلعاتها للمستقبل أفضل. الزمن السياسي المرتبط بالعنف والإقصاء. مسافة بين زمن الحكاية ما بين الخمسينات والسبعينات وزمن الكتابة، هو الألفية الثالثة. روضت حليمة هذه المسافة من خلال استنطاق التاريخ والذاكرة، الذاكرة الجمعية تكتب على لسان شخوص الرواية وليس شخصية واحدة. والذاكرات الفردية تكتب على لسان بعض الشخوص كشخصية سي مروان، الأب، العمة، الجدة، الجيران، ماما غيثة اليهودية، يوسف، المهدي، أصدقاء الطفولة وأخيرا نعيمة الشخصية الرئيسية في الرواية.
الشخصيات الأساسية في الرواية
الأم فاطمة، بعقدها النفسية التي أسقطتها على ابنتها نعيمة بمنحها الكره والعنف بدل الحب والعطف، الأم فاطمة التي اغتصبت في طفولتها لما تم تزويجها وهي طفلة تلعب بالدمية من رجل يكبرها سنا، فلم تستطع أن تنضج أبدا وكان موتها المستعجل إنذار بموت مرحلة وبداية أخرى هي مرحلة ابنتها "نعيمة" التي ستشكل الشخصية المركزية في الرواية. العمة للا عيشة رمز الكراهية .. الأب الذي يكبر زوجته كثيرا فيعمل على تعويض هذا النقص بالدلال أحيانا وبالقسوة أحيانا أخرى، السي مروان الفقيه والمثقف المتنور ورمز للانعتاق من أسر أفكار متجاوزة عن العلاقة بين الجنسين. غيثة، المرأة اليهودية الطيبة التي عوضت نعيمة عن الحب الأمومي رمز للتسامح الديني، ولمرحلة كان المغاربة المسلمون يتعايشون مع المغاربة اليهود في أمن وسلام وتعاون، ياسمين والياقوت جاريتان خدم العمة عيشة كرمز على استمرار علاقات العبودية في مغرب ما بعد الاستقلال. الجدة المرأة المسالمة، آسية زوجة العم، المرأة الطيعة السلبية. المهدي ويوسف أصدقاء الطفولة وأيام الدراسة ومرحلة النضال، جيل ما بعد الاستقلال جرب الخيبات، القمع والسجن والتطلع لمستقبل أفضل..
نعيمة الشخصية الرئيسية في الرواية تختزل جل أشكال القهر الاجتماعي وتبعات السلطة الذكورية. تحليل شخصية نعيمة في رواية "قلاع الصمت" يذكرنا بقولة جورج لوكاتش، "إن تطورات الإبداع الأدبي هي ترجمة واقعية لتطورات أخرى يشهدها الشرط الاجتماعي." نعيمة هي من جيل السبعينات جيل استفاد من التعليم وفرص العمل لكنه كان محاصرا بثقل العادات والتقاليد والنظرة الدونية للمرأة. نعيمة وجدت نفسها تواجه زخما من المشاكل والصراعات والحواجز أفقدتها توازنها وجعلتها تحمل في ذاتها شخصيات ونماذج من النساء وليس نموذجا واحدا. القاسم المشترك بين هذه النماذج هو ما سماه لوكاتش "بالبطل الرافض" وهي ميزة الرواية في القرن العشرين، فقد امتازت بالأساس بحضور البطل الرافض للعالم ، و في ذلك توضيح لحقيقة هذا العالم .
نعيمة شخصية تتقن ممارسة الرفض وتقول لا بكل اللغات، فهي المرأة التي تجر وراءها خيبات بدءا من ميلادها كأنثى، حدث خيب آمال أمها فرفضتها طيلة حياتها وعاملتها بقسوة مفرطة، اغتصاب طفولتها من طرف أحد أفراد العائلة زوج خالتها، إشارة إلى ظاهرة اغتصاب الأطفال والنظرة الدونية التي رافقتها طيلة مرحلة الطفولة وبحثها الدائم عن مشاعر الحب والحنان والحق في الحياة الكريمة، وممارستها لكل أنواع الصراع التي يمكن أن تنخرط فيها امرأة. من تفوق في الدراسة ، انخراط في العمل النضالي، تجربة السجن ، ثم بعد تزويجها قهرا وطلاقها دخولها مرحلة "الانتقام " من الرجل الذي يجسد العقلية الذكورية والسلطة في نظرها، فاستعملت الدهاء ولغة الجسد لرد الاعتبار لذاتها، لكن هذا الاختيار لم يدم طويلا لأنه أفقدها علاقتها بذاتها، لقد قتلت نعيمة الحقيقية وهي تمارس الانتقام من أي رجل اعترض طريقها، دخولها في متاهات الحياة، سرعان ما ستدرك الضياع النفسي والاجتماعي الذي رسمته لنفسها وهي تخوض هذه التجربة، فقررت يوما ما العودة لشخصيتها الأم نعيمة المثقفة الحاملة لقيم الحرية والكرامة والعيش الكريم .
السرد الشيق
تميزت الرواية بأسلوب سلس، شيق، سهل، تميزت كذلك بسرد يجعلك تعيش زمنا غير زمانك وتنتقل مع شخوض الرواية من مكان لأخر ومن حدث لأخر ، سرد هو سفر جميل وممتع.
اللانهاية
اختارت رواية "قلاع الصمت" أن تكون لها نهاية هي شبيهة ب"اللانهاية"
تعلن البطلة رفضها للشرط الاجتماعي الذي يخنق حريتها كفرد داخل المجتمع. الرفض يتجسد هنا في تكسير الصمت في تهديم القلاع، لم تبقى قلاع الصمت ماثلة في قمة الجبل ومنزوية في أمكنة بعيدة، القلاع موجودة في كل الأمكنة وكل الأزمنة، لكن، لم يعد من الممكن الحفاظ على الصمت الذي يلفها، فأحداث الرواية تعكس دلالات مناقضة لدلالة العنوان، أحداث الرواية هي عملية هدم دائمة وعملية تكسير مستمر من طرف جيل السبعينات الذي تلقى التعليم في مغرب ما بعد الاستقلال، جيل اختار الكلام وأخذ الكلمة، رفض الصمت والسكوت ولو كان للكلمة ثمنها هو القمع والسجن نساء ورجالا...

أسماء بنعدادة  / المغرب

 

محور جميع الروايات

 2. قلاع الصمت/ قراءات

مصطفى سلوي
هكذا تكلمت نعيمة
 
بلقاسم الجطاري
الكتابة وتكسير جدار الصمت
نور الدين بوصباع
الزمن والكتابة
أسماء بنعدادة
بلا نهاية

حميد ركاطة
الذات المغتصبة
 
الاتصال

 

Conception _ Création _ Desisgn: Halima Zine El Abidine